لست حزيناً وإنما غاضب
يقول فرويد: "لا يزال التعمق في اللاوعي خطوة شديدة الأهمية تجاه معرفةٍ أصدق بالسلوك البشري."

أحياناً، نحن ننجرف بعيداً لحالة نفقد فيها الشهية للحياة، ولكل شيء دون معرفة السبب. حالة حزن تلقي بظلالها علينا ونخيم تحتها متثاقلين الحياة. نستيقظ صباحاً بفتور نفقد فيه طاقتنا، ويفقد فيه كل شيء ميزته وبهائه، وكأنه يرتدي ثوب رمادي بائس. بل إن أصغر الأشياء والمهام تبدو ثقيلة. نصارع أفكارنا في استنباط المغزى من أي شيء، فكل شيء يبدو باهتاً فاقداً للمعنى. هنا، نحن كما يقول الأطباء في حالة اكتئاب.
من أكثر الأفكار غرابة في التحليل النفسي، هي تلك التي تخبرنا بأن الاكتئاب قد لا يتعلق بالحزن، وإنما هو نوع من الغضب. غضب لم يكن قادر على إيجاد التعبير عنه فانقلب على نفسه وجعلنا نشعر بالحزن تجاه كل ما حولنا ومن حولنا. بينما في الحقيقة نحن في العمق نشعر بالغضب حول أشياء محددة وأشخاص محددين. ولكن إن تمكنا من معرفة وفهم خيبة أملنا بكل تعاطف مع ذواتنا، فأنه يمكننا في نهاية المطاف استعادة أنفسنا -كما تقول النظرية-. فلم يخذلنا العالم أو الوجود بحد ذاته وإنما بعض الأحداث أو الأشخاص الذين لم نُبصر هويتهم الحقيقية.
غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون بمرض الاكتئاب من أعراض الغضب الصريح أو المكبوت. أولئك الذين يعانون من سمات الغضب يواجهون مشكلة مبالغ فيها خلال فترة أعراض الاكتئاب. تساعد الإدارة الدوائية في السيطرة على أعراض الاكتئاب والقلق ، ولكنها نادراً ما تعالج أعراض الغضب.
النظرية تطرح السؤال الآتي: كيف يمكن أن نكون غاضبين للغاية وغير مدركين لأسباب أو اتجاه انزعاجنا؟
ولكن هذه الفجوة في معرفة الذات أو بالتحديد في معرفة أداؤنا العقلي ليست شيئاً مفاجئاً أو شاذاً. فنحن لا نجيد أبداً مراقبة أصل وطبيعة العديد من مشاعرنا. فيمكننا أن نضحك بعمق ولكننا نواجه صعوبة في وصف أو شرح الشيء المثير لذلك. يمكننا أن نجد منظرًا طبيعيًا جميلًا، أو شخصًا ساحرًا أو فيلمًا يحفز الحنين إلى الماضي دون أن يكون لدينا أي سيطرة على الآليات التفصيلية لاستجاباتنا. فالفهم هو عادة تعتمد على متابعة ما وراء الشعور، ما يقبع بعيداً جداً خلفه. لا يتعلق الأمر بالحزن واليأس فقط الذي يجعلنا غرباء عن أنفسنا.
ولكن هناك أسباب أخرى تمت الإشارة عليها والتي تفقدنا القدرة على الاتصال بمشاعر الغضب فينا وتتبعها.
لأننا تعلمنا منذ طفولتنا بأنه ليس من اللطف أن نغضب أو نعبر عن غضبنا. وبأن تعبيرنا عن هذا الغضب يهز الصورة المرسومة عن أنفسنا بأننا أشخاص لطفاء ومتعاطفين. وقد يكون من المؤلم والمثير للشعور بالذنب الاعتراف بأننا نشعر بالغضب أو ربما الانتقام تجاه البعض خصوصاً إن كانوا ممن نكن لهم الحب والذين قدموا لنا الكثير.
وأن ما يغضبنا قد يبدو سخيفاً. فربما أننا جُرحنا من أشياء قد يتم تصنيفها على أنها "صغيرة" وبأننا تعلمنا أن لا نلقي لها بالاً لأننا نرى أنفسنا بأننا أقوياء ومن المفترض أن لا نلتفت لهذه الجروح الصغيرة، الجروح التي آلمتنا إلى حدٍ كبير دون جرأة منا على الاعتراف بأن هذا الشيء المتناهي في الصغر قد كسرنا.
والسبب الأخير، أن تعبيرنا عن الغضب قد يكون سيئاً للغاية لأننا بكل بساطة لم نرى حولنا أمثلة ناجحة في التعبير عن الغضب. فقد نربط الكلمة بالدمار البركاني المجنون، فبقدر ما تبدو خطيرة بقدر ما تؤدي إلى نتائج عكسية. أو على العكس تماماً، قد نكون عشنا ولفترة طويلة محاطين بأشخاص لم يجرؤوا على التعبير عن غضبهم، ابتلعوه وآلمهم. لم نتعلم القدرة على السيطرة وفن المحادثة الواعية التي تطهرنا من كل شعور سيء.
المخرج من هذا النوع من الاكتئاب هو إدراك أن البديل له ليس البهجة، بل الحزن. الحداد كلمة مفيدة لأنها تشير إلى نوع مركَّز من الحزن على نوع محدد من الخسارة. بصفتنا "مشيعين"، نحول الحزن اللامحدود الذي لا يُسمَّى إلى أذى أكثر تحديدًا: ضرر عن الوالد الذي لم يكن موجودًا من أجلنا، وعن الأخ الذي سخر منا، والحبيب الذي خاننا، والصديق الذي كذب. ليس بالضرورة أن تكون فكرة الخروج ومواجهة هؤلاء الأشخاص (قد يكون بعضهم قد مات بالفعل على أي حال)؛ لكن التفكير فيما حدث وإدراك الحجم الكامل لغضبنا وعبئنا المنكر يمكن أن يغير مزاجنا بشكل حاسم. حتى عندما تصبح العلاقات والحلقات المحددة أكثر تعقيدًا في أذهاننا، تبدأ الحياة ككل في الظهور بشكل أكثر قابلية للإدارة والأمل. لم ننتهي أبدًا من عمل معرفة عقولنا.