top of page

من الخوف من الفوات إلى متعة الفوات

From FOMO to JOMO

نعيش ضمن أيام مكتظة بالكثير. تريد أن تحظى بوقتك الخاص في القراءة أو ربما دون عمل شيء، وتريد أن تلحق بكل ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي من أحداث وقصص، وتريد أن تحظى بحياة اجتماعية متكاملة تزور بها الأصدقاء وتقضي وقت لا بأس فيه مع الأهل. ولكنك حتماً لا تستطيع الوفاء بكل هذا أو على الأقل بنفس القدر.


يحدث ذلك للكثير منا. فكم مره استمريت في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي لمجرد خوفك من أن يفوتك خبر أو معلومة، كم مره حرصت على أن تقرأ كل توصيات الكتب وتلحق بكل حدث وتبحث عن كل معلومة خوفاً من أن تتخلف عن شيء قد يكون مهماً. كم مره اضطررت للتخلف عن دعوة معينه ولم تهدأ أفكارك عما الذي قد يفوتك.


هذا الشعور له اسم وتعريف. يسمى بالـ FOMO أو الخوف من الفوات. وهو أكثر انتشاراً بين الناس اللذين يقضون الكثير من الوقت بمفردهم. ويصبح أكثر انتشاراً مع القدرة على رؤيتنا لجميع الناس وما يفعلون فيزيد احساسنا بأن هناك أمر قد فاتنا ولم نكن قادرين على اللحاق به أو تحقيقه. ويصاحبه الندم، لأن الفومو هو التخوف بأن الآخرين قد حظوا بتجارب وفرص غابت عنا.


صاغ هذا المصطلح رجل الأعمال والمؤلف Patrick J. McGinnis، والذي استخدمه لأول مره في مقال كتبه أثناء دراسته في جامعة هارفارد للأعمال. فالعديد من الأشخاص، الفومو يصبح مصدر قلق متكرر من أن يفوتوا فرصة لتجربة جديدة أو تفاعل اجتماعي أو استثمار مربح أو أشياء مرضية أخرى.


في استطلاع أجري في امريكا وبريطانيا أن الغالبية من الشباب بين عمر الـ ١٨ والـ ٣٤ يريدون قول "نعم" لكل شيء بسبب خوفهم من الفوات. والكثير منهم يشعرون بأنهم لا يستثمرون الطاقة الكافية أو الوقت الكافي في استكشاف مواضيع واهتمامات جديدة لنفس السبب -الفومو-. الخبر الجيد أن هناك بدائل للفومو، ولكن أولاً علينا أن نعرف أسبابه العميقة.


مسببات الخوف من الفوات:


وجد البحث أن الفومو في جوهره هو بسبب عدم الرضى الكامل عن الحياة، ومزاجية منخفضة، وشعور بأن احتياجاتك لم تتحقق. ولكن هناك بعض العوامل التي من شأنها أن تجعلك أكثر عرضة لشعور الخوف من الفوات:


· وسائل التواصل الاجتماعي: أثبتت الدراسات أن هناك ترابط بين استخدام الشخص لوسائل التواصل الاجتماعي وبين شعور الفومو. لأن مواقع التواصل الاجتماعي تسمح لك برؤية حياة الآخرين، ونجاحاتهم، ومواسم حصادهم دون إدراك منك بأن ما يتم عرضه قد تم اختياره بعناية وبأن هناك جوانب أخرى لم تُرى. وما يجعل شعور الخوف يتفاقم حين يشارك الآخرين صورة مصقولة من حياتهم وخصوصاً النشاطات الاجتماعية والتجارب الممتعة.

· الوحدة: هناك فوائد كثيرة للوحدة ولكن هناك فرق بين الوحدة والعزلة. لأن العزلة تذهب لها طواعية بينما الوحدة تُفرض عليك ويرافقها العديد من الآثار السلبية مثل: الاكتئاب وربما الانتحار وأمراض القلب والأوعية الدموية. وليس من الصعب أن تستنتج الرابط بين الوحدة والفومو، كونك تعاني هذا الشعور بينما الآخرين يستمتعون بحياتهم الاجتماعية. وتشير الدراسات بأن كمية المعلومات المتاحة حول الحياة الاجتماعية للآخرين والشفافية في عرضها وسهولة الوصول إليها تجعل الأمور أكثر سوءً حين يتعلق الأمر بالوحدة.

· القلق: هذه الحالة من الاضطراب الداخلي والتي غالباً ما تأتي مع سلوك عصبي، هي أيضاً سبب أساسي للفومو. فغالباً ما يستخدم الأشخاص اللذين يعانون من القلق وسائل التواصل الاجتماعية كاستراتيجية للتكيف مع القلق، مما يزيد الأمر سوءً. كفكرة بأن التصفح والتمرير العشوائي واللاواعي وسيلة جيدة لاسترخاء العقل. ولكن الواقع أن التأثير عكس ذلك. فلقد اكتشف الباحثون بأن هناك حلقة مفرغة بين القلق ووسائل التواصل الاجتماعي والفومو حيث يعلق بها الشخص دون خروج.


تم إضافة كلمة FOMO إلى قاموس اكسفورد عام 2013 وتم تعريفه على أنه: القلق من حدوث حدث مثير للاهتمام حالياً في مكان آخر. وغالباً ما تثيره المشاركات التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي.

المثير للاهتمام هو أن القلق قد يمنعك من أن تقوم بأعمال تستمتع بها بالفعل، فقط لأن الآخرين قد يستمتعون حالياً بدونك أو بأشياء أخرى. فحين تستسلم للفومو تصبح مدمنًا على المعرفة، والإشباع الفوري، للإعجابات والاهتمام قصير المدى، والانشغال الذي لا معنى له، وتستمر في العودة للحصول على المزيد. وقد ينتهي بك الأمر إلى الانضمام إلى أشخاص في أنشطة لا تهتم بها في الواقع، فقط خوفًا من تفويت الفرصة. ولكن تكون حياتك هي التي فقدتها في النهاية.


فن عمل القليل


بدلاً من الاستسلام للضغوط الاجتماعية لنكون في المكان المناسب مع الأشخاص المناسبين، يجب أن نتدرب على ضبط ضجيج الخلفية المحيطة بنا وأن نكون أكثر تأن فيما يخص وقتنا. يمنحك تحرير تلك المساحة المقلقة والتنافسية في عقلك مزيدًا من الوقت والطاقة للتعامل مع أولوياتك الحقيقية.


بينما يقضي الآخرين وقتهم لاهثين من الركض خلف متابعة آخر فيلم، وتجربة أحدث تمرين، وحضور آخر معرض. تلتزم أنت (الجومو) متعة الفوات – JOMO: the joy of missing out- بمعنى الاستمتاع بالبقاء ضمن مساحتك الخاصة والعمل على مشاريعك الخاصة. ففي عالم مفرط النشاط، مليء بالمعلومات والخيارات، يساعدك نهج تقليص الحياة في تحقيق المزيد.

يحثنا أستاذ علم النفس الدنماركي سفيند برينكمان في كتابه The Joy of Missing Out على العودة إلى الأفكار القديمة المتمثلة في ضبط النفس والاعتدال. يقول: "الانسحاب وقول لا" هي مهارات نفتقر إليها "كأفراد وكمجتمع". من خلال ممارسة هذه المهارات، وتمكين ضبط النفس، والاحتفال بالاعتدال، يمكننا تطوير طريقة حياة أكثر إرضاءً تثري أنفسنا وكذلك غيرنا.


تقوم فكرة الجومو في جوهرها، على طريقة لعيش حياة ذات غاية. هو إدراك أن الفومو يصرفك عن هدف حياتك، وأنك لست بحاجة إلى مزيد من الوقت. تحتاج فقط إلى استخدام وقتك بطريقة تسمح لك بالتصرف بناءً على الأفكار التي تدعم أهدافك، مثل المشاريع الإبداعية أو قضاء الوقت مع الأشخاص الذين تهتم بهم أكثر من غيرهم.


كيف تغتنم متعة الفوات


من الصعب أن تعيش حياة بطيئة الوتيرة في الوقت الذي يسعى غيرك في كل اتجاه لعيشوا حياة مزدحمة. ومن الصعب أيضاً أن تقتنع بقضاء المزيد من الوقت وحيداً خالياً إلا من أفكارك، حتى أنها تبدو فكرة مرعبة للبعض. ولكن يمكن لمتعة الفوات (الجومو) أن يساعدك في تحقيق صورتك الحقيقية، في أن تكون أنت. بدلاً من التصرف بناء على الضغوطات الخارجية التي تمنحنا حالة رضى قصيرة المدى ولكن تعقبها حالة ندم على المدى الطويل. هنا بعض الطرق لجلب المزيد من متعة الفوات لحياتك:


· التبصر: راجع طريقتك في قضاء وقتك حالياً. ماهي النشاطات المدفوعة من قبل الآخرين، بدل أن تكون غايتك الحقيقية. كتابة يوميات تعد من أفضل الطريق التي تكسبك رؤية أفضل لكيفية قضائك ليومك، والتأكد من قضائك الوقت على الأشياء المنطقية والتي تعني لك وتعتمد على أولوياتك.

· قطع الاتصال: اغتنام وقتاً خارج التغطية. فكما ناقشنا سابقاً تعد وسائل التواصل الاجتماعي من أهم العوامل المسببة للفومو. فإقفال هاتفك وقضاء الوقت الكافي مع أفكارك، في قراءة كتاب، أو المشي، أو ممارسة الرياضة، أو أي طريقة تشعرك بالراحة.

· إعادة الاتصال: سواء مع نفسك أو مع الآخرين الذين تهتم لأمرهم. اجعل وقتك من أولوياتك. قم بجدولة الأشياء التي تهمك أكثر حتى تتمكن من التأكد من حدوثها، مهما كانت الالتزامات الخارجية التي قد تكون لديك. سيساعدك قضاء الوقت بطريقة مفيدة على التوقف عن القلق بشأن الطريقة التي يقضي بها الآخرون وقتهم.


الناس أثناء موتهم لا يندمون على تفويتهم آخر المعلومات والأحداث والظهور وإنما على عدم تركيزهم على رغباتهم الحقيقية من قضاء وقت أكثر مع عائلاتهم، والتزامهم بصدق أمام أنفسهم بقضاء وقت يشبهها والعثور على غايات تنتمي لها وتسعدها. فلا تملأ عقلك بالندم تجاه ذاتك وإنما املأه بذكرياتك السعيدة وانجازاتك مهما كانت صغيرة.

99 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page