top of page

البدايات الجديدة

Updated: Dec 31, 2019

لماذا نرتبط ببدايات السنة الجديدة؟..

وضعت أمامي ورقة بيضاء خالية من كل شيء حتى السطور، ممتلئة بالبياض ومستعدة لاستيعاب ما ستٌملأ به، وامسكت بالقلم- بالمناسبة أنا من الأشخاص الذين لا زالوا يفضلون القلم على الكيبورد وأعتقد بأنه يسهل جريان الأفكار. نظرت للورقة الفارغة من كل شيء والمستعدة لأن تمتلئ بكل شيء. ألا يشبه ذلك ما أنوي كتابته عن السنة الجديدة، البدايات الجديدة، عن أملنا في البدء.. نعم، وجداً.


تساءلت ما الذي يجعلنا نرتبط بهذه البدايات خصوصاً السنة الجديدة؟ أهو الأمل الذي يصاحب البدايات الجديدة بأنها ستكون أجمل وأفضل أو على الأقل مختلفة؟ أم هي الراحة التي تصاحب انتهاء فترة معينة والتي توحي بمحو كل ما سبق، وبإمكانية تعديل الخطأ وتدارك العواقب، إمكانية التحرر.


كل هذه المشاعر والأفكار وحتى الأضداد تصاحب البداية الجديدة، فإن كانت البداية الجديدة مليئة بذلك ألا يمكن تطبيقها على اليوم الجديد؟ ألا ينطبق عليه كل ما سبق من أمل وراحة وتحرر؟ منطقياً من الممكن أن تكون الإجابة نعم، ولكن لماذا نربط البداية الجديدة بالسنة الجديدة لا اليوم الجديد؟.


أعتقد إن اعتبرنا فكرة لجوء الإنسان إلى وضع الوقت وتقسيمة ضمن فكرة تأطير العالم والتي تقوم على فكرة تبسيط العالم من أجل فهمه، وكل ما وٌضعت أطر أو حدود أصغر كل ما كان الشيء أبسط ويسهل التعامل معه. كالمكان مثلاً بوضع حدود الدولة، ثم المدينة، ثم الحي، ثم المنزل، ثم الغرفة الخاصة بك. لذلك أعتقد بأن فكرة تقسيم الوقت تقوم على المبدأ نفسه إلا أن الوقت يستمر ويمضي دون توقف مهما كانت الظروف بعكس كل شيء آخر.


فقولنا كل يوم هو بداية جديدة هي جملة صحيحة مليئة بالأمل، ولكن تعاملنا معها لا يكون مثل تعاملنا مع مفهومنا للبدايات الجديدة التي تصاحب السنة الجديدة. لأكثر من جانب: الأول، قد يكون ذلك بغية الاستقرار، فنحن بحاجة لروتين مستمر مستقر ومعاملتنا لليوم الجديد كالسنة الجديدة قد تفقدنا ذلك. رغم أن بعض الأيام تبدوا كذلك كيوم تخرجك، ارتباطك بشريك حياتك، يوم صافح طفلك الحياة، واتخاذك لقرار جديد. الجانب الثاني: هو أنه قد تفقد هذه البدايات بريقها وشوق انتظارها عند معايشتها يومياً. والجانب الأخير: من نظرة حسابية فنشوة البداية بعد 365 يوم ليس كنشوة البداية بعد 24 ساعة.


ولكن ماذا عن أيام الميلاد؟ ألا يحملون كل عناصر السنة الجديدة؟ بالطبع، والكثير منا يعتمد هذه البدايات إلا أنه يتجه أيضاً نحو السنة الجديدة. ربما يكون ذلك كوننا كائنات اجتماعية لدرجة كبيرة. فنحن كائنات فردية باختلاف كل منا عن الآخر ولكننا نحيا ككائنات اجتماعية حيث يمثل ذلك احتياج أساسي فينا وضروري لصحتنا. فاحتفال الجموع بالسنة الجديدة، مشاركتهم ذكريات السنة الماضية، ووضعهم لخطط السنة الجديدة يؤجج رغبة المشاركة فينا. رغم أن الاحصائيات تقول بأن الغالبية يتوقفون عن تنفيذ هذه الخطط في الشهر الثاني والقليل منهم يستمر حتى السادس ولكننا ننتظر ذلك ونكرره كل سنه.


وقبل تلك البدايات الجديدة نبدأ نروي القصص ونقلب ذكريات سنه تودعنا لنصافح أخرى، نروي قصص الأماكن التي زرناها، والتجارب التي عشناها، الانجازات التي حققناها، والأخطاء التي ارتكبناها. نشارك كل ما حصلنا عليه واضفناه لحياتنا لنستقبل السنة الجديدة برفقته، قد يكون جواب حصلنا عليه نحمله معنا لسنتنا الجديدة، قد تكون تجربة حفرت بنا وسترافقنا بقية أيامنا، وقد تكون معرفة امتلكناها ترافق نظرتنا الجديدة لكل ما حولنا. بالنسبة لي 2019 كانت مليئة بالكثير من المنظورين الصعب منها والجميل أيضاً. ولكن أكثر ما يميزها ولنقل ما له معنى على الأقل بالنسبة لي والذي ممتنه جداً لمعايشته أمرين: الأول هو وقوفي لأول مره أمام الميكروفون ومشاركة صوتي وأفكاري للعالم بتأسيس عقل وورقة صوتاً وكتابة. والأمر الثاني: أنها كانت سنة مليئة بالمعرفة بمختلف المصادر والوسائل من محاضرات وكتب وتعليم مستمر. (شاركوني امتناناتكم)


وفي الختام: البدايات الجديدة مع المجهول الذي يرافقها يجعل الأمل فينا يعانق السحب، نرى الأنا التي نود أن نكونها، نرسم الحياة التي نود أن نعيشها، ونخيط الأماني التي نود أن نلامسها. البدايات الجديدة تحمل كل هذا البياض داخلنا وتتطرف أحياناً كثيرة عن الواقع، البدايات الجديدة قد تكون اليد التي تربت على أكتافنا، وقد تكون معقل أرواحنا. وتبقى كل مره تمتلك سحرها الخاص ولو لم يعقبها الكثير.


أتمنى لكم بداية جديدة تملأ أرواحكم بكل ما تتمنون.

100 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page