top of page

هل لجؤنا لغيرنا هروب من أنفسنا؟


كالمشي في حقلٍ شاسع، مترامي الأطراف، علي أن أقرر سريعاً إلى أين أذهب وأي اتجاه اسلك، علي أن أواصل المسير.. فماذا إن كنت أريد التوقف؟.. هذا ما يحصل حين أكون مع الآخر. فإن كان الآخر بالنسبة للبشر عامة وللإنسان الطبيعي محفزُ على التفاعل والكلام وربما البهجة، فإنه بالنسبة لي مربك. يجعلني تائه في حقل شاسع. أشعر بأني لا أجيد التواجد مع البشر أو ربما أتواجد بصورةٍ ليست أنا، وأخاف من فكرة عدم إدراكي لذاتي بعد فترة. هذه الأنا القابعة في عمقي والتي تجيد الحضور والحديث ومناقشة الآراء وبكل ثقة.. ولكن، أمام أصدقائي المتخيلون والشخصيات التي اخترعتها.. مع قصص ومواقفٍ أنسجها بخيالي وأجيد التواجد بها.. أصبحت مخيلتي هي البقعة التي لا تخذلني. ولكنني في الحقيقة مللت ذلك رغم راحتي به. في الحقيقة بقائي وحيداً يحزنني ولكن وجودي مع البشر يشعرني بأنني أريد الخروج من جسدي. لا أدري إن كان العالم امتلأ بالزيف لهذا الحد وأنا وحدي من أشعر بالحقيقة.. أم أن العالم امتلأ بالكمال لهذا الحد وأنا الناقص الوحيد. لست أكره البشر بل على العكس أحبهم، أحبهم جداً ولكني أخشى حاجتي لهم. وأخاف من فكرة إن لا أراني بوضوح إلا من خلالهم. فكم جعت لعناق حيناً ولإنصاتٍ أحياناً أخرى.. ومن البشر، حتى شيدت مخبئي.


نعرف إن البشر كائنات اجتماعية، وإنها ما تقدر تعيش بمعزل تام عن الآخر. ويقال إنه بسبب إنها أكثر كائن يتطلب عناية منذ ولادته وتستمر لسنوات طويلة. لذلك اعتاد البشر أنهم يكونون دايماً برفقة الآخر وعكس ذلك يعتبر حالة غريبة تحتاج تدخل، لأنك ما تقدر تكون لوحدك، وحتى إن كنت في عزلة لا تكون وحيداً تماماً وإنما مرتبط بشيء ما ولو كان كتاب أو نبته مثلاً. فهل فعلاً ما نقدر نكون لوحدنا؟

أو إننا نخاف من أن نكون وحدنا. نخاف نواجه كل ما تحمله عقولنا، نخاف نشوف كل شيء بوضوح دون أن يتم قطع هذه الرؤية أو تشتيتها.

في القرن الثامن عشر تم استحداث نظام عقوبات بديل للعقوبات العلنية. نظام يقوم على العزلة وسمي بنظام بنسلفانيا، وهو ما يعرف حالياً بالحبس الانفرادي. كان الغرض من هذا النظام اصلاحي بحت، بحيث يكون الشخص في عزلة تامة تتيح له التفكير في أخطاءه ومراجعتها. (ما اعتقد ان العزل لسنين اصلاحي) ولكن ظهوره دفع علماء الأعصاب لدراسة أثر العزلة التامة على عقل الإنسان. واكتشفوا انها ممكن تدمر منطقة في الدماغ اسمها hippocampus واللي مهمة للذاكرة والعاطفة والتوجيه المكاني.. وإذا أخذنا بالاعتبار نقطة الخيار والاجبار، ونقطة جودة المكان والبيئة. فإن هذا لا يلغي أثر العزلة التامة على البحارة الوحيدين ومكتشفين القطب الشمالي، وانهم بسبب العزلة التامة عانوا من الهلوسة. مثل جوشوا أول شخص يطوف العالم بمركب شراعي بمفرده قال بأنه رأى وتحدث مع قائد سفينة كريستوفر كولومبوس. فالعقل البشري لا يستطيع الحفاظ على اتزانه الكامل بمعزل عن البشر. ولكن هل الجملة الأصح إننا ما نقدر نكون لوحدنا، أو إننا نخاف من أن نكون وحدنا. نخاف نواجه كل ما تحمله عقولنا، نخاف نشوف كل شيء بوضوح دون أن يتم قطع هذه الرؤية أو تشتيتها. هل لجوئنا للبشر هو هروب من أنفسنا. هل هذا ممكن يكون منبع شعورنا إذا كنا لوحدنا؟.. وهذا بالنسبة للعزل التام، فهل عقلنا يرفضه هو فقط؟ يعني إذا كنت مع البشر بس مو معاهم وش يصير؟


هذي Racheal قالت سؤال جلست أفكر فيه مره كثير، تقول ما الذي يعنيه أن تكون طبيعي؟ وما الذي يعنيه أن تكون مريض؟.. وبعدين قالت ما الذي يعنيه أن نكون الاثنين معاً.. ريتشال لأنها تعاني من حركات لا إرادية تخصصت في علم الأعصاب واكتشفت ان المنطقة المسؤولة عن الحركات اللا إرادية والسلوكيات القهرية في دماغنا مرتبطة بالوحدة. بمعنى الانفصال الاجتماعي يقلل من الإشارات اللي تصل لهذه المنطقة. وقلة هذه الإشارات يجعلك تشعر بالوحدة حتى في غرفة مليئة بالأشخاص اللي تحبهم. وشبهتها بفكرة الجوع، مثل لما تجوع ودك تأكل أي شيء وكل شيء يبدو لذيذ. عقلك يجوع ويطلب التواصل وتبدأ تشعر بالاستياء وتصبح قلق وسريع الانفعال ويخليك تسوي أي شيء عشان توازن الكيمياء العصبية بدماغك وتسعى للحصول على الراحة من أي مكان، مثل الأكل أو الارتباط بالماديات أو الأجهزة الالكترونية، أو الاهتمام بالنباتات وغيره. يعني عقلك يجوع طالباً البشر. ولكن، هل انفصالي عن البشر هي الحالة الوحيدة اللي ممكن أشعر فيها بالوحدة؟


أعتقد بأننا واجهنا هذه الحقيقة خلال أحداث هذه السنة. واكتشفنا انه مو كل عزلة تعني الشعور بالوحدة. وانه ممكن ينبع هذا الشعور من عمق علاقاتك لكن ما اكتشفت إلا لما اضطريت تنعزل برفقتها. فـ وش اللي يخليني أحس بالوحدة وأنا بين البشر؟.. دايما أقول بأن تعريفنا لشيء ما هو اللي يحدد نظرتنا له. وتبنينا لتعاريف معينه هي اللي تقودنا لتبني مشاعر معينه. Dr. Fay Alberti كاتبة A biography of loneliness أو سيرة الوحدة لها نظرة مثيرة للاهتمام، تقول علينا أن نرى مشاعر البشر على أنها نتاج التاريخ وليس استجابة بيولوجية تلقائية. وأن نفهم السيرة التاريخية لكل شعور لنفهم ماهيته الحاليه. يعني ان شعورنا الحالي يعتمد على تاريخ هذا الشعور ونظرة البشر له. فما هو تاريخ شعورنا بالوحدة؟


قبل القرن الثامن عشر لم تُذكر كلمة وحدة في نصوص اللغة الإنجليزية. يعني كلمة loneliness ما استخدمت إلا نهاية القرن. كان موجود فقط كلمة oneliness أو lonely places وكانت هذه الكلمات تصف أن تكون وحيداً بالمعنى الحرفي دون أن تشمل المشاعر ووصفها. بمعنى أن استخدام مصطلح الوحدة بالمعنى المراد أو الحديث نادراً وغالباً ما يستخدم بالمعنى الوجودي، شجرة وحيدة وصخور وحيدة مثلاً.. ثم بعدها أصبح يُنظر للوحدة على أنها مشكلة نفسية أو صحة عقلية. إلى الثمانينات حيث تم تطبيق مصطلح "وباء" على الوحدة ولأول مره وتم تأطير الوحدة على أنها وباء عالمي حديث.


تعقد الموضوع أكثر بظهور الحركة الرومانسية. لما رسم الرومانسيون صورة للسعادة تكمن في تحديد رفيق للروح استثنائي وبأن بمجرد وجود هذا الرفيق ما رح يضطر الشخص أنه يشعر بالحزن أو التفكك مره أخرى. رسم الرومانسيون لهذه الصورة واللي أقنعوا فيها العالم الحديث كان لها أثر كارثي على تقييمنا لما قد يعنيه أن نبقى وحدنا. وبأن اختيار الشخص لذلك يضعه تحت دائرة المرض. الحركة الرومانسية ما أثرت فقط على من هم بمفردهم بل أثرت على الأزواج اللي كانوا يتخبطون بهدوء ولم يصلوا للصورة اللي وصفوها وكانت النتيجة إنهم أصبحوا يشعرون بالوحدة أيضاً.


زادت التوترات بعد الحرب العالمية الأولى في بريطانيا لما تم إعلان إن عدد النساء يفوق عدد الرجال بـ 1.75 مليون. فأخذ الشعور بالوحدة مصحوباً بالفشل يتزايد رغم إنها صورة غير عادلة ولا منطقية. لدرجة أطلق عليهم عوانس الحرب (ومو بس كذا) تم إنشاء لجنة الهجرة الخارجية بهدف صريح وهو تشجيع النساء البريطانيات العازبات على السفر للهروب من عار الحياة الانفرادية. فكيف يمكن أن تعيش حياة مقبولة وهي وحيدة... وقتها عام 1966 أصدر فريق البيتلز أغنية اليانور واللي حددت ما تعنيه الوحدة في العصر الحديث. الأغنية هي قصة فتاة اسمها اليانور وصلت بها الوحدة إنها تضع صورة الشريك المثالي الشهير في جرة بجانب الباب وتنتظر بشوق الحياة اللي رح تجمعها فيه. (فهل إليانور في الحقيقة كانت تشعر بالوحدة فعلاً؟)


ثم توسع العالم الحديث وتوسعت معه دائرة الوحدة، ولم يجعل فقط الشريك الزامياً لحياة كريمة وإنما وجود مجموعة من الأصدقاء النابضين بالحياة وتستمتع برؤيتهم بانتظام. وصار يزداد قلق الشخص مع كل ويكند يمر عليه وما يلاقي مكان يروح له. وسارت اليوميات الفارغة رمزاً للتشوه. وبدأت تُذكر الحياة الاجتماعية للآخرين في الصحف، وأعتقد إنها استمرت للآن بالسوشل ميديا.


ولو نرجع شوي لورا رح نواجه إطار آخر، عام 1921 لما أصدر Carl Jung كتابه The Psychological Types وذكر فيه المصطلحين extraverted و introverted أو المنفتح والانطوائي. ورغم ان يونق قال بأن كل شخص يمتلك الآليتين، وبأنها أنماط شخصية. إلا أن روح العصر اتجهت إلى المنفتحين واتجه حديث العالم حولهم وتُرك الانطوائيون بكل قدراتهم ليوصموا بالوحدة. بينما هم، قد يكونوا سعداء!


ومؤخراً عام 2018 عينت بريطانيا وزيراً للوحدة، وهناك حكومات ستلحق بها مثل ألمانيا وسويسرا. ما يثبت رؤيته كوباء وحالة طبية.

كالمشاعر. لم توجد لتُعرف وتُمنطق. بل وُجدت ليُعرف ويُمنطق ما حولها...

هذا التأطير والتسطيح لوصف الوحدة جعل الأمر أكثر صعوبة على الشخص إنه يصف شعوره بدقة. يصعب عليه الاعتراف بالوحدة إذا لم يكن هناك سبب يدعوا إليها، مثلاً إن كان الكثير حوله بمن فيهم الشريك والصديق. ومن جهة أخرى أيضاً يصعب عليه الاعتراف بعدم احساسه بها إن كان هناك ما يدعوا إليها. يعشق البشر فكرة تعريف كل شيء، وبوجود السبب والمسبب، وبمنطقة الأشياء. ولكن هناك الكثير فينا لا يحتمل المنطق. يكون أكثر اتساعاً من أن يُحصر. وأشد عشوائية من أن يترتب في خطوط أفقية وعامودية.. كالمشاعر. لم توجد لتُعرف وتُمنطق. بل وُجدت ليُعرف ويُمنطق ما حولها... لذلك نحن بحاجة إلى أن يغير المجتمع قصصه حول ما يمكن أن تعنيه الوحدة. لأنه لا تنشأ الوحدة من مجرد حدوث عزلة جسدية، ولكن قد تنشأ حين ترغمك ثقافة معينه على الشعور بالخزي كونك كذلك. فالبقاء وحيداً والشعور بالوحدة أمرين مختلفين تماماً.


شئنا أم أبينا فالتوجهات المختلفة للنظر للوحدة عبر العصور ما زالت تضرب بجذورها إلى الآن. وحكمنا عليها حتى لو كانت ضمن أنفسنا قد يكون مستند بشكل أو بآخر على نظرة سابقة. رغم تعقيد هذا الشعور وصعوبة تعريفه لاختلاف القصص الفردية فيه وكونه حالة مركبة من المشاعر قد يختلط فيها الحزن مع الغضب والخجل والملل وربما الارتياح أيضاً. قد يكون بسبب واضح وقد يكون بلا سبب واضح. قد يستمر لفترة قصيرة وقد يطول. تشعر بأنك محاصر وعالق ضمن أفكارك ومشاعرك التي بعد فترة تصبح هي مساحتك الآمنة التي تخشى الخروج منها... لذلك افهم مشاعرك، وأدرك بأن بقاءك وحيداً ليس بالضرورة أن يتسبب بشعورك بالوحدة. فلا تهرب من أيامك الخالية.


سألت دكتور فاي في حسابها في تويتر: كيف يبدوا صوت الوحدة. وكانت هناك إجابات مثل: صوت صفير الهواء في المدخنة، صوت الضحكات البعيدة عنك، صوت العصافير التي تملأ أشجار الضواحي.. وكل هذي الأمثلة تمثل الانفصال، أو حدوث شيء لم يكونوا جزء منه.. بينما الشعور بالوحدة قد ينشأ رغم وجود البشر ورغم علاقاتك. وفيه تعريف عملي له وهو: الوعي بوجود فجوة بين العلاقات التي يمتلكها الشخص وتلك التي يريدها. فما يجعلنا نشعر بالوحدة ليس عدم وجود أشخاص حولنا، وإنما عدم وجود أشخاص يمكنهم فهم أجزاءنا العميقة، أجزاءنا الأكثر صدقاً والمليئة بالتناقضات والعيوب. وجود أشخاص يمكنهم رؤيتنا عن قرب، رؤية دواخلنا وعمق أرواحنا ونقاط ضعفنا دون أن نشعر بالخجل من ذلك. فالوحدة لا تنتهي بمجرد حديثُ عابر تجريه مع شخص حول الطقس مثلاً أو آخر الأخبار. ولكنها تنتهي حين نعترف للآخر وبسهولة عما نعرفه عن أنفسنا. أن لا نكتفي برواية قصص عما قمنا به مؤخراً وما ننوي القيام به، وإنما أن نروي قصصاً تكشف حقيقة من نحن. أن نتخفف من شعور الخجل الذي يرافق الحالة بين ما نشعر به حقاً وما يجب التحدث به عموماً. أن لا نضطر لتقديم واجهة أحادية البعد مبهجة تم فيها تخطي كل شيء محرج ولكنه أساسي ضمن حقيقتنا وجوهرنا.

الوحدة جزء من الرحلة، هي حقيقة، حقيقة نختبرها بطرق وكثافة مختلفة.

كثير ما يُقال بأن البشر بنوا لأنفسهم عالم حديث منعزل ساهم وبشكل كبير في زيادة نسبة ومعدلات الشعور بالوحدة. وأنا أعتقد بأنه شعور موجود منذ الأزل. يعني مثلاً هل زمان، يعني قبل القرن الثامن عشر وقبل ما يكون فيه أصلاً مصطلح للوحدة، ما كان البشر يشعرون فيها؟.. صحيح بأننا مؤخراً أصبحنا أكثر اتصالاً وأقل تواصلاً (وهناك فرق كبير بين الاتصال والتواصل)، وبأننا سرنا نشجع العلاقات ذات الروابط الضعيفة مع عدد أكبر من البشر مثل ما قال عالم الاجتماع مارك في مقالته The Strength of Week Ties.. ولكن الموضوع ما له علاقة بالمدن الكبيرة وجداول العمل المزدحمة أو حتى التواصل الافتراضي (لها تأثير) ولكن الأمر أكثر عمقاً. يتعلق الأمر بالخيال والصورة التي نخبر بها أنفسنا مراراً عن ما هيتنا وما نشبه. عن وجود ذات منفصلة عن العالم يكون معنى الحياة فيها مشروط. هذه الفجوة الناشئة بين الذات والعالم هي التي تستمر في توليد وتعزيز أشكال من الوحدة الغير مرغوب فيها. فإذا أردنا أن نفهم الوحدة علينا أن نفهم هذا الانفصال بين الذات والعالم. هذه الفجوة والانفصال قد تكون أحد المراحل الأولية الاكتئاب. فنحن كبشر نستعين بالآخرين عشان نحدد هويتنا أو نفهمها. ولازم نحصل على ردود أفعال وتقييمات من اللي حولنا طول الوقت، لأن هذا يساعدنا نكون أفضل. ونحتاج لتفسيرات وترجمات لأنفسنا ولمن حولنا وللعالم. امتلاء هذه الفجوة بالأشياء، بالآخرين يجعل مشاعرنا معتمدة بشكل كبير على التفاعل الاجتماعي. ويرتبط تحديدنا لهويتنا بهم. فتحتاج أن يكون معترفاً بك من قبل شخص آخر، ولا يتم تثبيت هويتك الذاتية بعمق داخل نفسك وهي منفصلة عن الآخرين بل بارتباطك بهم. لذلك قد يلحق ضرر بنظرتك لهويتك حين لا تنجح علاقتك مع الآخرين. لن نستطيع تحديد رؤية الشخص لعالمه وللآخرين، لذلك نحن بحاجة لسفك توقعات الكمال والسطحية المعتادة وأن تكون هناك بيئة آمنه لتبادل مخاوفنا وضعفنا وأيضاً اختلافنا. وبمجرد أن يتلاشى هذا الانفصال ستدرك بأننا كبشر مرتبطين بكل شيء وسترى بأن الوحدة جزء من الرحلة، هي حقيقة، حقيقة نختبرها بطرق وكثافة مختلفة.

أدمنا الوجود اللحظي السريع. لدرجة أثر على وجودنا مع أنفسنا وواجهنا مدى عجزنا في قراءتها وفهمها.

الوحدة قد لا تكون اجتماعية فقط، قد تكون وجودية. فقدانك لمعنى الحياة أو ضياعك بحثاً عنه قد يُشعرك بالوحدة. تشعر بأنك واقف والعالم حولك يجري بسرعة، ويرافق ذلك رفضك لكل شيء تقريباً.. يُقال بأن رحلتك نحو ذاتك داخلية وهي رحلة وحيدة. ولكن البشر غريبين. مثل ما قالوا بأننا صنعنا عصر جعلنا نشعر بالوحدة أكثر من أي وقت مضى. قالوا بأننا صنعنا عصر أحببنا فيه التواجد بكل مكان، عشقنا التواجد على السطح لا في العمق، وأدمنا الوجود اللحظي السريع. لدرجة أثر على وجودنا مع أنفسنا وواجهنا مدى عجزنا في قراءتها وفهمها. وإنه المفروض نتعلم نكون لوحدنا عشان نشوف أنفسنا بوضوح. فهل لجؤنا لغيرنا هروب من أنفسنا.


وفي الختام: إن كنت تشعر بالوحدة، إن كان هذا الشعور يلتف حولك فجأة ودون أن تعي سببه.. فهذه الحلقة مهداة لك.. أدرك انطفاءاتك، أدرك سماؤك الضبابية التي تبحث فيها عن نجم يهديك لروحك من جديد. ولكنك لست وحدك، ولو خُيل لك ذلك. فنحن نرى أنفسنا من الداخل بينما نرى الآخرين من الخارج. نرى أبسط تصدعات أرواحنا، بينما نرى السطح اللامع الأملس لمن حولنا. كلنا مليئين بالتصدعات، لذلك تنفس بعمق، ولا تخجل من أي شعور يراودك.

309 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page