top of page

!..كِش ملك

Updated: Jan 20, 2020

هل تكون رغبة الإنجاز هي محفزك أم رغبة هزيمة الآخرين..؟

في أحد المحاضرات والتي كان يلقيها البروفيسور إدوارد هيس استثنائيا (لم يكن هو محاضر المادة)، والذي استمعت له ولنظرياته لأول مره وأعجبت بها بدوري. ختم المحاضرة بأسماء الكتب التي ألفها، ذهبت مسرعة إلى أمازون وقمت بطلب الكتابين وبدأت بقراءتهم. كان أشد ما لفت انتباهي أن من أصعب ما مر به بروفيسور هيس في مراحل دراسته هو مفهوم المنافسة (ذكرت قصته في حلقة من البودكاست بعنوان: الجانب الآخر)


تأملت نظرته والتي تشبه نظرتي لحد كبير حول المنافسة. تكرر هذا الموقف حين كنت أقرأ كتاب حياة في الإدارة للدكتور غازي القصيبي وواجهت النظرة ذاتها لهذا المفهوم. اقتبس هنا جزء مما قاله أثناء حديثه عن مراحله الدراسية: " لم يكن للمنافسة دور في تحديد هذا الجهد. المنافسة، حتى في الألعاب، لا تستهويني. أقلعت عن لعب الشطرنج، وكنت أولعت به فترة، عندما لاحظت ذلك التصميم المتجهم على (قتل) الطرف الآخر. لعبة الملاكمة، في رأيي، ردة وحشية إلى عصور الغاب. عندما أتابع مباراة في كرة القدم، وأنا لا أفعل ذلك إلا نادراً، أتابعها بحد أدنى من الانفعال. إن رغبتي في إتقان ما أقوم به من عمل لم تعن، قط، رغبتي في التفوق على أي إنسان آخر. كنت، ولا أزال، أرى أن هذا العالم يتسع لكل الناجحين بالغاً ما بلغ عددهم. وكنت، ولا أزال، أرى أن أي نجاح لا يتحقق إلا بفشل الآخرين هو، في الحقيقة، هزيمة ترتدي ثياب النصر."

المنافسة والتي قد تكون لها إيجابياتها أحياناً إلا أنها تجعلك النسخة الأفضل من غيرك بينما بعدك عن هذه الدائرة يجعلك تحقق ذاتك الحقيقية والتي قد تتسع لاحتمالات أوسع وأكبر. المنافسة التي أنا بصددها تلك التي ترى الصواب في خطأ الآخرين، والإنجاز في فشل الآخرين، والقمة بوصولك وحدك دون الآخرين. أرى كما يرى الدكتور القصيبي بأن العالم يتسع لكل الناجحين، الطامحين، والمجتهدين مهما بلغ عددهم. وأن الشخص الوحيد الذي تجدي منافستك معه أروع النتائج هو نفسك.


أعتقد بأن هذا المفهوم ينشأ ويتغذى على مبدأ المقارنات والذي بدوره يكثر في المجتمعات المتشابهة، بمعنى المجتمعات التي تكون الأوساط والطبقات فيها متشابهة تقريباً اقتصادياً، اجتماعياً، وثقافياً وربما تربوياً أيضاً. واعتماد هذا الاسلوب أو استخدامه في معرفة وتحديد مفاهيم عدة مثل الصح، الطبيعي، النجاح، والفشل. فقد يتحول مفهوم أو فكرة أو هدف من كونه فاشلاً بالأمس إلى نجاح وفخر اليوم والسبب يعود جزء كبير منه لاتباع هذا المبدأ في تحديد صواب الشيء من عدمه.

تبدأ تتغلغل هذه المشاعر فينا منذ طفولتنا حيث تبلغ أوجها، فهي كثيراً ما تكون المحرك للطفل كون مال هذه المرحلة العمرية من محبة جمة للعب، الحماسة، وتوق التجربة. لذا يبقى على عاتق الأهل توجيهها بشكلها الصحيح. يقول الطبيب النفسي الكندي جوردن بيترسون بأن وظيفة الأهل الأهم في السن بين السنتين والأربع سنوات هو تحضير الطفل اجتماعياً. بتعليمه قواعد التواصل مع الآخرين، اللعب، والمنافسة، وان تم الاخفاق في تحضيره اجتماعياً يؤدي ذلك لعدم رغبة الأطفال الآخرين للعب معه وعدم رغبة الكبار أيضاً في التواصل معه لينشأ طفل وحيد محمل بتبعات نفسية قد تستمر برفقته إلى أن يشيخ وقد يستطيع معالجتها وقد لا يتمكن من ذلك.


وبالحديث عن قواعد اللعب تكون بتعليمه بأن اللعب عبارة عن تجمع لقطبين التعاون أو المساهمة والمنافسة والتي يكمل بعضها الآخر ويظهر روح اللعبة. تكون المساهمة في إحضار مستلزمات اللعبة والتعاون في الاتفاق على تطبيق قوانين اللعبة، والمنافسة في بث روح المتعة في اللعبة ويكون فحواها اتقان الطفل للمهارة بشكل أفضل من المرة السابقة وليست موجهة فقط لهزيمة أقرانه، بل إن هزيمتهم لا تعني بالضرورة تطور مستواه أو مهارته مقارنة بالسابق. لعب طفلك هو تحضير اجتماعي له مليء بالدروس، اتقانه له يجعل الأطفال الآخرين يدعونه للعب كل مره وبذلك تنشأ وتتوسع علاقاته الاجتماعية. ففي تجربة أقاموها على فئران، لقياس الرغبة في اللعب والتحفز له، احضروا فأرين أحدهما كبير والآخر صغير. كان الفأر الصغير دوماً ما يبدأ بدعوة الفأر الكبير للعب بحركة معينة، ولكنهم لاحظوا بأنه سيتوقف عن دعوة الفأر الكبير وعن اللعب إذا لم يسمح له بالفوز بمعدل 30% من المرات. ونحن كذلك كبشر نحب الفوز بطبيعتنا ولكن إن أصبح المرآة الوحيدة التي ترى بها نفسك أو تتعرف عليها من خلاله، فهنا يبدأ الخلل.


وفي الختام: قد تفشل ولكن لا تبرره بفشل الآخرين، قد تخطئ ولكن لا تبرره بتصيد أخطاء الآخرين. أَحِب الفوز ولكن ليس شريطة هزيمة الآخرين، أَحِب النجاح ولكن ليس بالضرورة أن يفشل الآخرين، أَحِب الوصول ولكن ليس بالضرورة أن يتوقف الآخرين، أَحِب النور ولكن ليس بالضرورة أن يقبع الآخرين في الظلام.

68 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page